يا زهرة الإسلام...هذا هو الطريق



يا زهرة الإسلام...هذا هو الطريق

 من الأشياء التي يجب أن تكتسبها الفتاة في حياتها، صفات النجاح التي تعينها على تحقيق أهدافها والوصول إلى رضا الله في الدنيا والآخرة.
 هارة الأولى: المرونة:
(يحكى عن أحد صيادي السمك الذي كان يصطاد، وكلما خرجتَ له سمكة صغيرة احتفظ بها، وفي كل مرة خرجت سمكة كبيرة ألقى بها في البحر مرة أخرى، فاقترب منه أحد الأشخاص وسأله، وقد غلب عليه الفضول: هل يمكن أن تشرح لي السر في أنك تلقي بالسمك الكبير مرة أخرى في البحر، وتتحفظ فقط بالسمك الصغير؟
فرد عليه الصياد قائلًا: أنا حزين جدًّا على هذا الفعل، ولكني مضطر إلى ذلك، ولا توجد أمامي أية طريقة أخرى، حيث أن القدر الذي أطهي في السمك صغير جدًّا، ولا أستطيع طهي السمك الكبير فيه، لذلك ألقي به إلى الماء مرة أخرى!) [المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي، ص(126-127)].
فهذا الصياد قد افتقد المرونة الكافية، ولم يعِ ذلك القول المأثور: (لا تكن صلبًا فتكسر، ولا تكن لينًا فتعصر).
تشبيه نبوي بليغ:
فعن عبد الله بن كعب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة، وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأرزة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة) [رواه البخاري].
    وهو تشبيه بليغ من النبي صلى الله عليه وسلم للحالة التي يجب على المؤمن أن يتعامل من خلالها مع الأحداث المختلفة، فالريح هي الأحداث، والمؤمن لابد أن يكون مرنًا مع تلك الأحداث، يتحرك معها كما تتحرك الزرعة مع الرياح يمنة ويسرة دون أن تكسر.
    كما أنه قد يكون المراد من (تشبيه المؤمن بالخامة في كونه تارة يصح وتارة يضعف كالخامة تحمر ثم تصفر فلا تبقى على حالة واحدة) [عمدة القاري، بدر الدين الحنفي، (21/209)].
الخرتيت يتفوق:
قد يمتلك الواحدة منا مهاراتٍ عديدة، وتحوز إمكاناتٍ مديدة، وقد تكون ذات رغبةٍ مشتعلة، وهمةٍ متقدة، ولكن سرعان ما تقف في وجه العقبات ـ وحتمًا ستقف ـ وحينها لا يصبح للمهارة معنى، ولا للرغبة مكان، إذا لم تتحلى هذا الفتاة بالمرونة الكافية، والتي تجعله يجتاز العقبات، ويقفز فوق الحواجز.
وهناك وهمٌ خاطئٌ عند الكثير من الناس، الذين يرون أن المرونة ما هي إلا رضوخ للظروف، وأن التصلب والجمود على القرارات أو الآراء حتى لو كانت خاطئة هو قمة الفضيلة، وذروة القوة، وهذا ليس بالصحيح؛ فالديناصورات العملاقة التي تفوق الخرتيت في حجمها ووزنها وطولها وقوة جسمها، لم تنفعها كل تلك الإمكانات، ولم يشفع لها تصلبها وفقدانها للمرونة وقوة التكييف مع الواقع، فلم تستطع أن تتأقلم مع التغيرات التي تطرأ على بيئتها، فانقرض الديناصور غير المرن، وبقي الخرتيت المرن.
أكثر من حل... أكثر من طريق:
أهم ما يميز الشخص المرن عن غيره، أنه يمتلك أكثر من حلٍ لأي مشكلة، ولديه أكثر من طريق للوصول إلى هدفه، بحيث إذا جرب حلًّا لمشكلة ما، ولم يُجدِ معه هذا الحل نفعًا؛ لم يتوقف، ولم ينثنِ عزمه وإصراره، وإذا انسد طريق الوصول إلى هدفه؛ أخذ طريقًا آخر، ولم يقف حائرًا يفكر ماذا يصنع وقد انسد الطريق؟!
فالشخص المرن له أكثر من طريقة وأكثر من أسلوب لكي يحقق الفوز، إذا فشلت وسيلة جرب الأخرى، والخطأ الذي يقع فيه أغلب الناس أنهم يتعلقون بالوسيلة، ويتشبثون بها، وينسون الهدف، فيفتدقون المرونة في حياتهم.
مهارة النجاح الأكيد:
بل إن المرونة في الحياة ليست فقط جسرًا نعبر به فوق بحار هائجة من العقبات إلى بر الأمان، بل إنه مهارة لازمة للنجاح في كل أمر، وفقد أي إنسان لها من الأمور الخطيرة، تمامًا كما يحذرنا الدكتور عبد الله السبيعي، حين يقول: (من لا يمتلك المرونة اللازمة في الحياة، سيتهيب كل جديد، ولن يشرع في عمل مفيد، وستعد نجاحاته على الأصابع) [صناعة النجاح، د. عبد الله السبيعي، ص(194)].
    وليس أدل على ذلك من قصة توماس أيدسون، مخترع المصباح الكهربائي، الذي نستطيع أن نضع لقصة اختراع المصباح تلك عنوانًا مفاده: (المرونة ولا شيء سواها)، فلقد توصل إلى ذاك الاختراع بعد 999 محاولة فاشلة، وفي كل مرة يجرب طريق مختلفة، حتى وصل إلى اختراعه في المحاولة الألف، أي مرونة تلك؟!
ذروة التحكم:
اعلمي أيتها الفتاة ليس ذلك فحسب، بل إن الطريق إلى التحكم في الذات، وترويضها، لابد أن يمر على محطة المرونة، على عكس ما يظن البعض، فليس معنى المرونة إذن أن يكون الإنسان كريشة في مهب رياح الحياة، بل إنها كما يصفها الدكتور إبراهيم الفقي فيقول: (إن المرونة هي التحكم؛ فالشخص الأكثر مرونة في أسلوبه، يكون تحكمه في الأشياء أكبر) [المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي، ص(126)].
تمرين هام جدًّا:
1.  اختاري هدفًا من الأهداف التي تريدي تحقيقها، وقومي بوضع ثلاث خطط مختلفة للوصول إلى هدفك، حتى إذا فشلت إحدى هذه الخطط؛ يكون لديكي الاستعداد بالخطط الأخرى.
2.  قومي بتوقع العقبات التي ستواجهك في طريقك نحو هدفك، وضعي لكل عقبة أكثر من حل لإزالتها من طريقك.
3.      احرصي على أن يكون ذهنك دائمًا متفتحًا لأي فكرة جديدة، فقد تأتي الأفكار الإبداعية والحلول الابتكارية في أي وقت.
4.      قيِّمي خطتكِ يوميًّا، وابحثي عن طرق لتطويرها وتحسينها باستمرار.
هل من مشمر؟
    وإليك أختي الفتاة بعضًا من الواجبات العملية؛ من أجل الاستفادة من هذا الحديث الشريف، ومن أهم تلك الواجبات ما يلي:
1.      اقنعي نفسكِ بأهمية المرونة: وذلك بكتابة الأسباب التي تدفعكِ لأن تكوني مرنة
2.  قوِّ رغبتكِ في المرونة: وذلك بكتابة الفوائد التي ستجنيها من المرونة، والخسائر التي ستناليها إذا لم تصبحي مرنة.
3.      مارسِ تمرين المرونة مع كل هدف تريدي تحقيقه.
المهارة الثانية: السيطرة على الذات:
هل تعرفي الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي؟ إنه صفحة مشرقة من تاريخ أمتنا، رجل روض ذاته فأحسن قيادتها، فنال أعظم النجاح، وأكبر الفلاح، فهيا نسمع قصته، ونقبس من نوره.
تعود قصة بطلنا إلى شهر جمادى الأولى من العام الثامن من الهجرة، يوم خرج المسلمون لقتال الروم في مؤتة، وكان اللواء مع قائد الجيش زيد بن حارثة رضي الله عنه، يوم أن قاتل حتى قتل، ثم حمل الراية من خلفه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فلحق بأخيه في الجنة.
         ثم جاء الدور على بطل قصتنا، الصحابي الجليل أبو عمرو عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فالتقط الراية قبل أن تسقط على الأرض، وجعل يتقدم بها وهو متردد تحدثه نفسه بتركها، ولكن هيهات لرجل رباه النبي صلى الله عليه وسلم أن تحدثه نفسه بغير الخير فيجيبها لما أرادت، فجمع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه همته وعزمه، وانطلق صائحا في نفسه، قائلًا لها:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنّهْ ... لَتَنْزِلِنّ أَوْ لَتُكْرَهِنّهْ [سيرة ابن هشام، (5/28)].
         فكانت صيحته ولا زالت نبراسًا لنا على طريق التحكم في ذاتنا، والسيطرة عليها، فهلَّا جعلنا لنا مع عبد الله بن رواحة رضي الله عنه نسبًا؟!
خارطة الطريق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم و من يتحر الخير يعطه و من يتق الشر يوقه) [حسنه الألباني في صحيح الجامع، (4093)].
    ويعد هذا الحديث أصلًا من أصول تغيير الأخلاق وتهذيب السلوك، واكتساب مكارم الصفات، فالنبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا فيه الطريق إلى ذلك في كلمات قليلة موجزة مركزة.
    وفي ذلك يورد الغزالي في إحيائه هذا الحديث ويقول معلقًا عليه: (وأشار ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ بهذا إلى أن اكتساب الحلم طريقه التحلم أولًا وتكلفه، كما أن اكتساب العلم طريقه التعلم) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (2/365)].
وبهذه الوصفة النبوية، يتضح لنا معالم طريق الناجحين، ألا هو مجاهدة النفس، وأطرها على كل خير ونافع، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب) [إسناده صحيح].
فجهاد النفس إذًا من أفضل أنواع الجهاد، قال ابن بطال: (جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، ويقع بمنع النفس عن المعاصي، وبمنعها من الشبهات، وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة؛ لتتوفر لها في الآخرة) [حق الله تعالى على عباده، يحيى بن موسى الزهراني، (1/31)].
كلمة السر:
والانضباط هو كلمة السر ومفتاح السيطرة على الذات والنجاح في الحياة؛ وذلك لإن للانضباط آثارًا عديدة تساهم في سيطرة المرء وتحكمه بذاته، ومن تلك الآثار ما يلي:
1.      لا للمستحيلات:
فإننا لو بحثنا عن كلمة الانضباط الذاتي في قاموس الناجحين، فسنجد أنها تعني التحكم في الذات؛ ذلك لأن الانضباط الذاتي هي الصفة الوحيدة التي تجعل الشخص العادي يقوم بعمل أشياء فوق العادة، وهو القوة التي تصل بك إلى حياة أفضل.
2.      شعاع النجاح:
ولا يتوقف الأثر الإيجابي للانضباط عن ذلك الحد، بل يتعداه ليكون بمثابة الضوء الذي ينير نفق الحياة إذا أظلم، فذلك الانضباط هو أحد أهم ضمانات نجاحكِ، وتذكري قول ليز موراي: (هناك دائمًا طريق مضيء في أصعب الظروف، فقط إذا تحرى المرء العمل الجاد والنظرة الثاقبة، فالأمر يرتهن برمته بمستوى تصميمك) [لليوم أهميته، جون سي ماكسويل، ص(172)].
3.      في زمرة العظماء:
وإن كنتي أختي الفتاة ترومي الوصول إلى قمة التميز؛ لتكوني في موكب الناجحين، وزمرة العظماء، فاسمعي إلى الشاعر هنري وادزورث عندما قال:
(إن الآفاق التي وصل إليها العظماء، وحافظوا عليها، لم تأت بسرعة، فبينما خلد أقرانهم للنوم، ظلوا هم يكدحون طوال الليل) [لليوم أهميته، جون سي ماكسويل، ص(166)]، فليس من حقنا إذن أن نأمل في التميز إلا إذا ارتكزنا على أرض صلبة من الانضباط القوي بأهدافنا والسعي الحثيث في تحقيقها.
خاطرة من خبير:
وهنا يتصيد لنا خاطر الإمام الجوزي كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب؛ لأنها كلمات خرجت من فم خبير سار على طريق الانضباط، وخبر سبيل النجاح، فراحت كلماته تصف لنا دور الانضباط في تحقيق السير الحثيث نحو القمة، فيقول: (من الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا، فهمهم صعود وترقٍ) [صيد الخاطر، ابن الجوزي، ص(119)] ولا غرو أن تخرج تلك الكلمات من فم رجل عظيم تربى على منهاج عظيم هو منهاج النبي صلى الله عليه وسلم.
المصادر:
·          صيد الخاطر، ابن الجوزي.
·          لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.
·          حق الله تعالى على عباده، يحيى بن موسى الزهراني.
·          المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي.
·          عمدة القاري، بدر الدين الحنفي.
·          صناعة النجاح، د. عبد الله السبيعي.
·          إحياء علوم الدين، الغزالي.

0 comments

شارك بتعليقك

الصفحة الرئيسية | حقوق القالب ل سامبلكس | مع تحيات ورود الحق