يحتاج الابن لشعور الحب والحماية والدفء العائلي بغض النظر عن أفعاله، يحتاج للشعور بأنه شخص هام في حياتك، وأفضل وسيلة لإشعاره بذلك هي المعاملة الحسنة من أبيه، وتقبله له بالحال التي هو عليها، وحبه لشخصه لا لأفعاله، ولا ينتهي هذا الحب حال الخطأ أو الوقع في الزلات، ويتأكد ذلك الحب من خلال القول: (إنني أحبك، ولكن تصرفك في هذا الأمر لا يعجبني).
فإذا حصل الابن مثلًا على درجة غير جيدة في مادة العلوم، فقل: (لديك فرصة أخرى لتحسين هذه الدرجة، فقط تحتاج إلى الاستذكار بجد، وإني واثق أنك ستحصل على أعلى الدرجات) هكذا تتحدث معه - إذا أخطأ - حديث الصديق المحب ..
إن الرسالة الأكثر أهمية التي يريد الأب والمربي هنا أن ينقلها إلى الابن هي أنه يحبه حبًّا غير مشروط، ذلك الحب الذي يعني (قبول الابن بمزاياه وعيوبه، فنحن نحب الشخص وليس بالضرورة أن نحب التصرف نفسه، فنحاول أن فصل الفعل عن الفاعل، وأن نفصل كذلك الأقوال عن الذوات، فعندما يسئ ابنك التصرف فمن الطبيعي أن تستاء من تصرفه ولكن يبقى بإمكانك أيضًا عدم الغضب والمحافظة على الهدوء، وهذا ليس بالأمر السهل؛ بل يحتاج إلى التدريب والمثابرة) [مجلة ولدي - العدد 13 ص 54].
إن بعض الآباء يحلو له تهديد الابن بوقف حبه له وعطفه عليه، فتراه يقول: (كن مؤدبًا وإلا لن نحبك) أو (لا أحب الأبناء الذين لا يقومون بما أطلبه منهم)، بل على العكس (يجب أن يعرف الابن أن الأب يجبه في جميع الظروف، وأن الأب يفخر به إذا كان أول فرقته، ولكن حبه لا ينقص قدر أنملة إذا لم يكن له نفس الترتيب!) [سياسات تربوية خاطئة، محمد ديماس، ص71].
وحتى عندما ينتقد بعض سلوكياته، فهو يقتصر على السولكيات، ويحذف كل التعليقات السلبية حول شخصية الابن ..
وبالمثال يتضح المقال:
رامي (10سنوات) أراق اللبن عن غير قصد، فوق مائدة الطعام عند الافطار.
الأم: لست صغيرًا حتى لا تعرف كيف تمسك بالكوب! كم مرة قلت لك يجب أن تكون حريصًا!!
الأب: إنه أخرق .. إنه هكذا دائمًا، وسيظل هكذا دائمًا.
لقد سكب (رامي) حليبًا لا يساوي الكثير من المال، ولكن السخرية اللاذعة التي تلت الحادث قد تكلف كثيرًا كثيرًا في مجال قفدان الثقة.
والنصيحة التربوية هنا: عندما تحدث أمور بشكل خاطئ، فليس الوقت مناسبًا لتعليم المخطئ عن شخصيته، بل من الأفضل التعامل مع الحدث، لا مع الشخص.
والتصرف الصحيح في مثال (رامي):
الأم: أرى الحليب قد انسكب على المائدة، لا بأس، ها هي إسفنجة فلنحاول تنظيف المائدة.
(ينظف رامي المائدة، وتساعده أمه في نفس الوقت .. هكذا بدون أية تعليقات جارحة). [بين الآباء والأبناء، د.ج.جينوت، ص42 بتصرف يسير].
قل ولا تقل:
بهذه الطريقة يكون تركيز الانتقاد على سلوك الابن، وليس على شخصه، لأن هذا يجعله يحاول تغيير أفعاله وتصرفاته، مع بقاء ذاته وكرامته مصانة.
وماذا يضيرنا لو أننا رفعنا من روحه المعنوية، وأيقظنا همته لكي يتحمل مسؤولية تصرفاته وأفعاله كقولنا: (كلي يقين أنك سوف تنجح في محافظتك على نظافة ملابسك إن ركزت جيدًا في هذا الشأن).
ماذا لو غرسنا في نفسه القدرة على القيام بذلك وتجاوز هذا الإهمال والاتكالية التي يمارسها في حياته، علاوة على إبراز جوانب القوة في شخصيته ومساعدته في الوصول إلى الحلول المناسبة لمعالجة ما يقع فيه من أخطاء، كي يرتقي بنفسه وبسلوكه.
فعلى سبيل المثال:
الخطأ: (مريم إنك فتاة كسولة).
الصواب: (مريم لديك بعض التقصير في الاعتناء بنفسك).
الخطأ: (تتصف يا أحمد بالغباء).
الصواب: (أحمد .. عليك الاهتمام بمذاكرتك وتحسين مستواك الدراسي) [25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًّا، أكرم مصباح عثمان، ص108- 109].
وإذا كسر أحد الأبناء شيئًا داخل المنزل، حاول الأب أن يحتفظ باتزانه الانفعالي، ليبقي على حبه للابن، رافضًا في الوقت ذاته سلوكه السيئ، ثم يخاطبه بثقته في قدرته على التغيير للأفضل: "كلي يقين أنك ستنجح في الحفاظ على حاجات المنزل جيدًا والتعامل مع ما فيه بشكل أفضل).
وتبقى هذه هي طريقتك - أخي الأب والمربي - في التعامل مع السلوكيات السيئة.
(فإذا أرسلت أحد أبنائك - مثلًا - ليشتري شيئًا، فأخطأ في عد النقود، أو كسر شيئًا مما اشتراه، فلا تقل له: (ليتني ما أرسلتك) أو (الحق علي أني وثقت فيك، واعتمدت عليك) أو (أين عقلك)؟ ... إلى آخر هذه العبارات التي تسبب له إحباطًا شديدًا يترك أثره التربوي السيىئ في نفسه، وكذلك إذا طلبت من طفلتك أعمالًا في المطبخ، فلم تنجح فيها كأن لا تحسن تقطيع الطماطم أو لا تتقن غسل الخضار أو لا تنظف الأطباق جيدًا، لا تقولي لها: (اذهبي للعبك فما زلت صغيرة .. كان علي أن أفعل هذا بنفسي).
ولكن بيّن لابنك خطأه بهدوء، واطلب منه أن يعيد ما كلفته به بصورة صحيحة إن كان هذا ممكنًا، وأفهمه أننا جميعًا نخطئ في بدايات تعلمنا، وأن الخطأ لا يعني العجز أو الفشل) [الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس، ص84].
وإذا رأيته يفعل أشياء لا تحبها، أو أفعالا غير مقبولة، فأفهمه أن العيب ليس فيه كإنسان، بل إن الخطأ هو في سلوكه.
ما بال أقوام يفعلون كذا:
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، لما كان يوجه النقد ويقوم المعوج دون التعرض لذاته، فكثيرا ما كان يعتلي المنبر فيقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا).
روي البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم).
فالنقد للسلوك الخطأ مع بقاء الحب والثقة، والستر وعدم فضح الزلات هو طريقة النقد؛ لأن الستر عمل إيجابي يهدف إلى الإصلاح والتعديل وحفظ الكرامة وصيانة السمعة.
ذاته وكرامته مصانة:
(إن احترام كينونة الابن وصون كرامته يجعله دائم التطلع إلى بناء جسر من الثقة والمودة بينه وبين من يقوم على انتقاد بعض تصرفاته وسلوكه، فإن للكلمات اللطيفة والمهذبة أثرًا مهمًّا في الاحتفاظ بكرامة الشخص، وخصوصًا إذا تم التركيز في النقد على سلوك الفرد لا على شخصيته، وذلك عندما يرتكب الأخطاء أو الممارسات غير الصائبة؛ لأن هذا ما يهمنا في تقويمه وتصحيح أفعاله وتصرفاته، مما يجعل الأمر قابلًا للتعديل والتحسين.
إن النقد الموجه للأبناء وليس إلى سلوكهم يترتب عليه أمور في غاية الخطورة، فهو يحد من قدراتهم وإبداعهم وتفوقهم في العمل، بل إن قد يحطم ما لديهم من قيم وقواعد أخلاقية!
خذ هاتين العبارتين مثالًا لما نقصد: (أنا أكرهك) أم (أنا أكره هذا السلوك فيك) .. أيتهما أفضل؟) [خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك، د.عادل رشاد غنيم، ص30].
خريطة عملية:
- أحب أبناءك الحب العملي غير المشروط، واستخدم أسلوب الحب في معالجة الأخطاء.
- وضح لهم خطأهم برفق ولين واصبر عليهم، وتغافل عن أخطائهم أحيانًا، دون تحقير ذواتهم.
- اجعل من نفسك قدوة لهم، واغرس السلوكيات السليمة في نفوسهم.
- قم بالتأكيد على جوانب القوة لديهم، ونقبل جوانب الضعف فيهم واسع في تطويرها.
المصادر:
- اللمسة الإنسانية د.محمد محمد بدري.
- سياسات تربوية خاطئة، محمد ديماس.
- بين الآباء والأبناء، د.ج.جينوت.
- 25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًّا، أكرم مصباح عثمان.
- الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس.
- خمس خطوات لتعديل سلوك طفلك، د.عادل رشاد غنيم.
